الشائعات- سلاح الفوضى المعلوماتية وتفخيخ العقول

المؤلف: إبراهيم إسماعيل كتبي08.06.2025
الشائعات- سلاح الفوضى المعلوماتية وتفخيخ العقول

تدور رحى الشائعات في عصرنا الحالي بسرعة فائقة، أشبه بانتشار النار في الهشيم، إنها معلومات ملفقة، لا تمت إلى الحقيقة بصلة، أو تحمل جزءًا يسيرًا منها، تُطلق عن قصد أو عن غير قصد، عن علم أو عن جهل. الجميع منا يدرك ماهية الشائعة، لكن القليل منا من يتحقق منها ويتفحص حقيقتها، ذلك لأنها تتخذ أشكالًا وأساليب متنوعة، سواء بالكلمة أو بالصوت أو بالصورة. وحدهم أصحاب الفكر المستنير والعقول النيرة هم القادرون على كشف زيفها والتصدي لها بحزم. تعتبر الشائعات المغرضة التي تبث السم في العسل، بهدف إثارة الفتن وزعزعة الاستقرار، وتشويه الحقائق، والمساس بأمن أوطاننا ووحدة مجتمعاتنا، من أخطر أنواع الشائعات وأكثرها فتكًا. ممتهنوا تلفيق الشائعات، بالإضافة إلى اختيارهم لمضمونها بعناية فائقة، يضعون في حسبانهم التوقيت المناسب والأسلوب الأمثل لإطلاقها، وذلك بهدف إحداث البلبلة وتأجيج الأزمات، أو استغلالها لتضخيم الأحداث، لا سيما في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه منطقتنا والعالم بأسره، وفي خضم سطوة عولمة الفوضى، أو فوضى العولمة المعلوماتية التي غزت الفضاء الإلكتروني عبر الشبكة العنكبوتية. تعتبر الشائعات إحدى الأسلحة الفتاكة في الحروب الحديثة، التي تستهدف منظومة القيم النبيلة، وتسعى جاهدة لاختراق المجتمعات من الداخل، وتحويل الفرد إلى عنصر سلبي أو هدام، عن طريق الجهل أو العمد. فإذا كانت الحروب التقليدية قد شهدت تطورًا ملحوظًا في أساليبها وأسلحتها عبر العصور، فإن الحروب الجديدة أصبحت أشد خطرًا، نظرًا لما تتسم به من فوضى مدمرة، وتعتبر الشائعة رأس الحربة في هذه الحروب، لأنها تفتك بالمجتمعات عن طريق إشعال نار الفتنة، وتستهدف النسيج الاجتماعي، وتتربص بالهوية. حتى الأطفال لم يسلموا من هذه الحرب الشرسة، فقد باتوا هدفًا لحرب العقول، التي تسعى إلى تشكيلهم ذهنيًا ونفسيًا، وقد شهدنا وسمعنا عن ألعاب إلكترونية تنطوي على مخاطر جمة، ولا تحمل أي فائدة تذكر، على عكس ألعاب الماضي البريئة والنافعة، بل إنها بوسائلها الإلكترونية المتطورة تختطف الفطرة السليمة، وتجرد الأطفال والمراهقين من براءتهم، من خلال عرض مشاهد العنف والانحرافات. كما أن الشباب ليسوا بمنأى عن هذا الاستهداف، فهم يتعرضون لوابل من التشويه العقلي والنفسي، وغسل الأدمغة بقفازات ناعمة، تحقن سموم الفكر الضال، الذي بلغ ذروته في الإرهاب، وتحويل البشر إلى قنابل موقوتة، تم تفخيخ عقولها قبل أجسادها. الشائعات هي لغة رائجة في العالم الافتراضي، ويصعب على الكثيرين تمييزها، ومن المؤسف أن ينخرط البعض في ترديدها عبر صداقات وهمية مستترة، تستهدف المجتمع والوطن، دون أدنى تدقيق أو تمحيص، ليصبح الفرد أداة طيعة في يد الأشرار. كم من معلومات مضللة وكاذبة تثير الإحباط والتشاؤم، وكم من لقطات ومشاهد مصورة بالصوت والصورة تسيء إلى بلادنا ومجتمعنا، دون حسيب أو رقيب من ضمير أو أسرة. لم تعد المجتمعات تنعم بالاستقرار والسكينة في هذا العالم الافتراضي المليء بالتوتر، وتعكير المزاج، والحيرة، والخداع، حيث الصداقات الوهمية، والتواصل في عالم مجهول، والعداوات التي ترتدي ألف قناع وقناع، وتستخدم الكلمة والصورة كسلاح فتاك. هذا الأمر يثير العجب من الغفلة والانسياق بجهالة، وهنا ندرك قيمة الكلمة، والفرق الشاسع بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، كما أرشدنا الله عز وجل ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم. الشائعات خطر داهم يستوجب الوعي والإدراك، والخلاف في فوضى التواصل الإلكتروني له أبواب كثيرة ومتشعبة، حتى يظل المجتمع منشغلًا بالبحث عن الاختلاف، بدلًا من السعي نحو الحوار والتلاقي، فالمفاهيم تختلط وتلتبس على البعض، فمثلًا مصطلح "الحرية" تتبناه بعض الدول الغربية والمنظمات المشبوهة، ويختلف عليه العالم بأسره، دون أن يتم تحديد مفهوم الحرية وحدودها بشكل واضح، وكذلك مصطلح "المساواة"، لا يزال العالم يخوض فيه معارك طاحنة، بين الرجال والنساء والمنظمات، دون جدوى أو فائدة، ودون وجود ضوابط أو معايير تحكم هذا المفهوم. في خضم هذه الفوضى، تجد الشائعات طريقها إلى السياسة والاقتصاد والحياة، والخوض في أمور الدين بغير علم، وأصبح الكثيرون يتصدرون المشهد كسياسيين ومحللين ونقاد. لهذا السبب، فإننا نواجه حربًا ضروسًا من الشائعات، وتوحشًا معلوماتيًا يهدف إلى تفخيخ العقول، ما يستوجب منا جميعًا التيقظ والوعي، والتحلي بعقل واعٍ، لنعيش بسلام داخلي أولًا، وأن نكون إيجابيين في الحياة، تجاه الأسرة والوطن والأجيال القادمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة